مدخل تمهيـدي:
الإنسان كائن يختلف اختلافا كليا عن الحيوان الذي لا يتخطى مجرد الإحساس بالذات، فالإنسان يعي ذاته في اللحظة التي يقول فيها " أنا " بحسب تصور هيجل، وهو ما يعني الإحساس بالتفرد والتمايز عن باقي الموجودات بما فيها الاخر سواء كان شبيها أو غريبا عن الذات، فالواقع البشري هو واقع اجتماعي ، حيث الإنسان يعيش تجربة الحياة المشتركة مع الاخر مادام الإنسان كائنا اجتماعيا، لا يولد الإنسان إنسانا وإنما يصبح كذلك ، فحتى الحمقى والمجانين يشاركوننا في الانتماء للإنسانية ، إننا لسنا وحدنا في هذا العالم فالأخر موجود دمعنا حتى ولو كان بعيدا عنا، ما دام يشغل حيزا من تفكيرنا.
أما من الناحية الفلسفية فالغير هو "الآخر" " الأنا الذي ليس أنا" (سارتر) وفي مقابل ذلك يدل لفظ الأخر على مفهوم غير قابل للتعريف لأنه عام يشمل كل ما يقابل " الهُو هُو" le même .
إن الغير من الوجهة الفلسفية هو " آخر وليس آخر، في نفس الوقت "، أي، " مخالف" و" مطابق" فهو "ليس الأنا" من جهة وهو الآخر" المماثل للأنا" من جهة ثانية.
ويقصد بالأنا الذات المفكرة العارفة لنفسها في مقابل الموضوعات المتميزة عنها وعن تفكير هاكما يقصد بالأنا كذلك الوعي الذي تملكه الذات عن فرديتها. ومن هنا يتبين أن الأنا يحمل دلالة أخلاقية قيمية، عكس الموضوعات المفتقرة إلى الوعي والحرية.
- البناء الإشكالي للمفهوم
1) المحور الأول وجود الغير :
على الرغم من أن جذور فلسفة الغير بدأت مع الفلسفة اليونانية إلا أنها ظلت حبيسة التناول الأنطولوجي (الوجود)، ولم تتعداه إلى الجانب المعرفي، غير أنها عادت بقوة في العصر الحديث مع الفيلسوف هيجل كرد فعل ضد فلسفة الأنا أو الذات لدى ديكارت، فإذا كان ديكارت قد اعتقد أن الأنا يوجد في استقلال عن الآخر، فإن الأمر يختلف مع هيجل الذي أكد على أن الأنا أو الذاد لا يوجد من خلال الأخر. فكيف يتحدد هذا الوجود؟ وما نوع العلاقة التي تقوم بين الأنا والاخر ؟ ما هي إذن طبيعة وجود الغير؟ وما هي طبيعة العلاقة بين الأنا والغير؟ وهل لأحدهما أن يوجد بمعزل عن الآخر؟
2) المحور الثانى معرفة الغير:
يتبين مما سبق أن الآخر موجود وجودا ماديا كما توجد الأشياء، وهو ما تبيّنه التجربة اليومية المعاشةكما تبين لنا أن وجود الأخر البشري كانا اخر ضروري لوجود الذات (أو الأنا)، ذلك ما يعني أن الوجود الإنساني وجود علانفي بيني وبين الآخر، وأن الكينونة الإنسانية الفردية لا يمكن إلا أن تمتد إلى خارج ذاتها، فتنشئ علاقات، بحيث يستحيل أن تكون معزولة، ومن بين هذه العلاقات العلاقة المعرفية. بداية هل معرفة الغير ممكنة؟ تم ما قيمة المعرفة التي يقيمها الانا حول الاخر؟ وبعبارة أخرى هل يمكن للأنا أن يعرف الأخر معرفة دقيقة ؟
3) المحور الثالث أوجه العلاقة مع الغير:
سبق التأكيد على أن العلاقة بين الذات والغير هي علاقة مركبة ومعقدة لان مضمون هذه العلاقة يتراوح بين الصداقة والكراهية، الحب والعداوة، التعصب والتسامح الوفاء والخيانة، إجمالا يمكن الحديث عن نموذجين لهذه العلاقة : العلاقة الإيجابية، العلاقة السلبية وبالتالي نتساءل لماذا يرتبط الأنا بالاخر برباط الصداقة هل نباءا على غاية أم اعتباره غاية في ذاته أم لأنه يشبهنا أم هو ضدنا ؟ أم هو مفيد لنا .. وفي نفس الوقت لماذا نرفض الاخر ونحاول اقصاءه وتكون علاقتنا معه علاقة صدام وكراهية؟ إذا كانت معرفة الأخر تقتضي التواصل، فما طبيعة هذا التواصل ؟ هل هو تواصل دون تشي أو استيلاب أو عنف ؟ وإذا كان دخول الأنا مع الغير في علاقات ضروريا فما الأوجه المختلفة لهذه العلاقات؟