الشخص: المحور الثالث الشخص بين الضرورة والحتمية

 الشخص: المحور الثالث الشخص بين الضرورة والحتمية
التأطير الإشكالي للمحور
إذا كان الشخص ما يتوفر على هوية خاصة به قد يستقيها إما من فكره أو من وعيه أو من أفعاله أو من ذاكرته، وإذا كان هذا الشخص يتوفر على قيمة قد يستمدها من كفاأته العقلية أو من عقله الأخلاقي العملي أو من تشخصنه ( الشخصانية). فإن هذ الشخص ء رغم هذه الهوية وهذه القيمة فهو ينتمي على معين ويعيش وفق شروط موضوعية تجعله يدرك ان وجوده مشروط بضروف قاهرة وإكراهات وحتميات يخضع لها الشخص
وهذا ما يفضي إلى فقدان هذا الشخص حريته والتي بدورها ستنتفي جميع أبعاده الإنسانية. لكن رغم ذلك فالإنسان يرفض الاستسلام لواقعه ويفكر في تجاوزهفما السبيل إلى تجاوز هذه الشروط والإكراهات لكي يحقق الشخص حريته ويمارسها؟

أطروحة جون بول سارتر:
تعد الفلسفة الوجودية فلسفة الحرية بامتياز لكونها تعتبر الفلسفة الوحيدة التي أعطت تصورا خاصا عن حرية الشخص يختلف عن الفلسفات الأخرى و أيضا عن تصورات العلوم الإنسانية.
ينطلق سارتر من مبدأ أساسي الذي تتأسس عليه الوجودية " الوجود سابق على الماهية " . فالشخص لا يتحدد بمفهوم سابق كما تتحدد الأشياء ( لنأخذ مثال الطاولة : فالطاولة تتحدد بمفهوم سابق يوجد في ذهن النجار أولا ثم يترجمه الى واقع .) أما الإنسان فليس مفهوما أو فكرة سابقة على وجوده، إن الإنسان عليه أن يوجد أولا، وأن يتحدد بعد ذلك من خلال ما يصنعه بذاته، من هنا يتبين أسبقية الوجود على الماهية لدى الإنسان . معنى هذا أن الإنسان موجود، ووجوده يتحدد بوثباته باتجاه المستقبل. فالإنسان يتميز عن الموجودات الأخرى بخاصية الوعي، تلك الخاصية التي تجعل الشخص يختار أفعاله ويقوم بها، وهذا ما يقصده سارتر بأن الانسان ان مشروع تحدد بالعلاقة مع المستقبل.
إن ما يحدد الشخص في نظر سارتر، ليس نواياه وإنما الانخراط في ما اختاره وتحمل مسؤوليتة أفعاله. يقول سارتر "ان الخطوة الاولى للوجودية هي أنتضع الانسان =الشخص أمام كينونته، وأن تضع عليه مسؤولية وجوده الكلية". غير أن هذه المسؤولية التى يتحدث عنها سارتر ليست مسؤولية ذاتية ولا فردية، بل هي مسؤولية عن الأخرين كذلك. إن المعنى العميق للذاتية عند سارترل، بالإضافة، إلى أن يختار الشخص ذاته بنفسه، أن يختار أفعاله، ذلك أن الذي يختيار لا يقصي الآخرين كذلك. وهكذا يصبح الاختبار الذاتي هو اختيار إنساني ككل، وبهذا الاختيار تصبح الذات مسؤولة عن نفسها وعن الأخرين كذلك ( فمثلا الزواج هو اختيار جماعي وليس فردي ...الخ
يتبين انطلاقا مما سبق أن الشخص كذاتية، معناه، أنه ذات تتصف بالوعى والاختيار والحرية والمسؤولية. هكذا يتبين انه إذا كانت العلوم الإنسانية ترد الذات إلى الموضوع، فإن فلسفة سارتر ، ترد الموضوع إلى الذات، ولا غرابة فى ذلك، إذا كانت الوجودية هي ذلك المذهبة الفلسفي الذي يجعل الشخص مركزا في تفكيره، وبهذا المعنى نفهم قول سارتر" إن وجودي لا يصدر عن مقدماتي وعن محيطي الفيزيائى والاجتماعي، يتجه نحوها ويدعما".

أطروحة سبينوزا
ينطلق سبينوزا في جوابه على سؤال الحرية من منطلق ان كل حركة سواء تعلق الأمر بالإنسان أو الحيوان أو الجمادات هي محددة بعلة خارجية تتحكم في وجودها وفعلها باستتناء الجوهر أو الله الذي هو علة وجوده. فلا يتصرف إلا وفق الضرورة التي تمليها طبيعته، أما بقية الموجودات وخصود ية التي يتفاخرون بامتلاكها لا تعدو ان تكون وهما ناتجا عن الجهل: أي عن وعيهم بر غباتهم وجهلهم بالعلل التى تجعلهم ير غبون في شيء من الأشياء، لا وجود إذن لفعل حر، بمعنى فعل لا علة له تحدده ، والحرية الوحيدة السكة هي وعي هذه الضرورة، والتصرف وفق الطبيعة الجوهرية للإنسار أي الطبيعة العائلة، ومنى الك أن الفاعل الحر هو الذي يقيد نفسه بعقله وإرادته، ويعرف كيف يستعل ما لديه من طاقة , وكيف يتنا النتائم و ك ة نما بعضنا النصر والين يحكم عليها
يدحض اذر، سبينوزا امزاعم من يدعي ان الانسان حر حرية مطلقة ويبين ان هذه الحرية ليست إلا رهما ويعطي أمثلة من التجربة الطفل الذي يستهى الحليب ، فهو يلجا للبكاء بدافع الحاجة .. الثرثار... . المخمور .... هؤلاء يعتقدون أنهم يختارون أفعالهم عن وعي ونزية في حين أنهم في حثيقة الامر مدفو عون بز غباتهم و انفعالاتهم الحرية التي تكون انقيادا للانفعالا ليست حرية بل عبودية أما الحرية الحقيقية هي في الالتزام بالعقل.

أطروحة العلوم الإنساني
منذ بداية القرن 19 ظهرت فلسفات مهدت إلى بروز العلوم الإنسانية وتؤكد حتمية الوجود الإنساني، غير أنها تنفي عن الشخص حريته وإرادته ووعيه، وليست للإنسان القدرة على اختيار مصيره بنفسه، فهي تعتقد بسلبية الفرد في اختيار مصيره. فالإنسان الفرد فى نظرها مقولة فارغة، وقد تطور هذا التصور في فلسفات مختلفة كالبنيوية التي تقول بوجود بنيات اقتصادية واجتماعية تعمل بمعزل عن الأفراد وخارجا عن إرادتهم، ونجد كذلك ألتوسير يقول بضرورة التعامل مع الناس داخل وحدات الإنتاج كرموز لا كأشخاص..الخ. وكان هذا انعكاسا لبروز العلوم الانسانية التى اتخذت الانسان كموضوع لها، وحاولت بعض المدارس التعامل مع الظواهر الانسانية بمناهج العلوم الطبيعة، كما يتم التعامل مع الاشياء والحيوانات بغية تجدين الإنسان وضبطه والتحكم فيه. وبذلك سحق الإنسان في أسطورة أديب، وحيوانية داروبن، ومادية ماركس، ومن تم أعلن عن موته. هكدا حاولت العلوم الإنسانية أن تعتبر الشخص بشكل أو باخر نوعا من المنتوج الحتمي الذي نستطيع التعامل معه بموضوعية

أطروحة التحليل النفسي نموذجا لعلم النفس :
ينطلق التحليل النفسي سيجموند مع فرويد مجموعة من الأفعال تصدر عن الإنسان لا يمكن تفسيرها بالوعى وبالشعور فلتات اللسار ، وزلات القلم، والأحلام، والنسيان، والأعراض العصابية.الخ.
هى أفعال حسب فرويد لا يمكن تفسيرها بالاستناد على الوعي، لأن هناك ما يتجاوز الوعي والشعور: وهو اللاوعى واللاشعور، أي أن مدرسة التحليل النفسي مع فرويد تطرح مفهوم اللاشعور كفرضية اساسية بوصفها نظاما نفسيا يتجاوز شعور الإنسان ووعيه. فهل تستطيع الشخصية من وجهة نظر التحليل النفسي أن تحقق حريتها، أم، أن خضوعها للاشعور يجعلها تخضع الحتميات صارمة ؟ وقبل ذلك ما هى مكونات الشخصية بوصفها نظاما نفسيا؟.
يتكون الجهاز النفسي حسب نظرية التحليل النفسي من ثلاثة مناطق أساسية متفاعلة فيما بينها وهي : الهو: الهو: يعتبر الهو أو اللاشعور المستوى الأكثر عمقا بالمقارنة مع المناطق الأخرى، وهو لا يعرف مباشرة، إذ أن ما يدل على وجوده هو مجموعة من الأفعال النفسية كفلتات اللسان، زلات القلم، الأحلام، النسيان، الأعراض العصابية ..الخ. ويتكون الهو أساسا من الغرائز والدوافع العضوية التي لا تخضع إلا لمبدأ اللذة، لذلك نجد الهو لا يميز بين الخير والشر ، ولا بين الحلال والحرام، إنه الجانب الحيواني في الإنسان
الأنا: يعتبر مقارنة مع الهو - المستوى الأقل عمقا في نفس الإنسان، فهو يتميز بالانسجام والتفكير المنظم، وبحكم علاقته بالعالم الخارجي فهو مطالب بتحقيق رغبات الهو المندفعة، إنه لا يعمل على إشباعها، فغالبا ما يلجأ على آلية الكبتر أي الإقصاء والإبعاد) عندما لا يكون ممكنا تحقيق الرغبة المندفعة. وهذا يرجع بدوره إلى أن الأنا مطالب بالرضوخ إلى متطلبات "الأنا الأعلى" الأخلاقيةإن موقع الأنا في الجهاز النفسي يجعل وضعيته صعبة. فهو يظهر كمخلوق ضعيف خاضع لاستبعاد ثلاثي : هناك ضرورة التكيف مع الواقع الخارجي، كما أنه مطالب بتحقيق متطلبات الهو، وأخيرا فهو يخضع لأوامر الأنا الأعلى. إن هذه الوضعية الصعبة هي التي جعلت فرويد يقول عنه "أنه الموطن الحقيقي للقلق".
الأنا الأعلى : يعتبر المنطقة الثالثة في الجهاز النفسي وهو ما يدعوه فرويد بالوعي الأخلاقي إذ أنه يمثل القواعد والواجبات، وكذا الموانع الأخلاقيات . إن" الأنا الأعلى" بوصفه سلطة أخلاقية، يراقب الأنا ويملي عليه أوامره ويعاقبه إن اقتضى الأمر ذلك إن الدرس الفلسفي الذي ينبغي استخلاصه من مدرسة التحليل النفسي هو أن هذه المدرسة قد أحدثت ثورة فى المعنى، فهي ترى أن الذي يحدد المعنى ليس هو الوعي كما كان يعتقد في السابق، وإنما اللاوعي، واللاشعور، ذلك أن الأفعال النفسية التيتصدر عن الإنسان كفلتات اللسار ، زلات القلم، الأحلام، النسيان، الأعراض العصابية.الخ، ليست فارغة من المعنى، بل هي حاملة لمعنى مقصي ومبعد، وهو الذي يحدد شخصية الإنسان، من خلال ذلك التفاعل الحركي والديناميكي النشطا بين مكونات الجهاز النفسي (للهو/ الأنا / والأنا الأعلى). ولما كانت الشخصية الإنسانية خاضعة للاشعور - أى خاضعة لغرائزها المكبوتة والقصية المبعدة والغير المتحققة، فلا وجود من منظور التحليل النفسي اللحرية، كل منا يوجد هناك حتمية نفسية صارمة تخضع لها الشخصية.
عن اعتبار الشخصية بهذا المعنى، عبارة عن منتوج ، إلغاء كل فردانية وحرية في سلوك الشخص. وهذا فعلا ما يدفعنا على التساؤل التالي أمام وعي الشخص بكل هذه الحتمياد النفسية، ألا يملك القدرة على تحرره وتحقيق استقلالية ؟

أطروحة جى روشي نموذجا لعلم الاجتماع
يرى جي روشي أن الإنسان محتاج بشكل كبير إلى المجتمع لاكتساب صفات لايمكنه بدونها أن يمارس حياته كإنسان اجتماعي. وبسبب هذا الاحتياج، فإن الفرد يخضع لما يسمى بمسلسل التنشئة الاجتماعية التي يعرفهاروشي بأنها عملية تطورية بواسطتها يقوم الشخص طوال حياته بتعلم واستبطان المعطيات الاجتماعية والثقافية لمحيطه لكي يدمجها في بنية شخصيته حتى  يتكيف مع المحيط أو الوسط الذي هو مضطر لكي يعيش فيه.
وهكذا يكتسب الفرد خلال عملية التنشئة الاجتماعية أساليب التفكير والتصرف والإحساس الخاصة بمجتمعه، وهو ما يسهل تكيفه مع باقي الأفراد داخل المجتمع. فيصبح بذلك عضوا امندمجا في الجماعة ويدافع عن نفس القيم السائدة فيهاوهذا ما يضمن وحدة المجتمع ويجنبه الوحدة والانقسام.
ولا يمكن لعملية الاكتساب أن تكون ناجحة وتؤدي إلى التكيف ما لم يستدمج الفرد كل ما يتلقاه من مجتمعه لكي يصبح جزءا يتجزأ من شخصية، بحيث يعتبر أن الأساليب التي لقنت له وفرضت عليه، أساليب طبيعية وعادية يتبناها هو نفسه وكأنها صادرة عن إرادته الحرة، في حين أنها رسخت لديه عبر التنشئة الاجتماعية لذلك فكل ما يوجد من منظور علم الاجتماع حتمية اجتماعية وثقافية صارمة تعيشها الشخصية الانسانية.

.



جميع الحقوق محفوظة © 2013 باك ديالك تمارين دروس امتحانات