مجزوءة المعرفة

مجزوءة المعرفة

الشيئ الذي أعرف
 هو أني لا أعرف شيئا
 سقراط
مدخل تمهيدي :
على خلاف المجزوءة الأولى التي انصب اهتمامها على مسألة الوضع البشري، فإن مجزوءة المعرفة هذه، ستُعنى بالنشاط العقل من التفاعل الذات والموضوع (دارسة + موضوع مدروس = معرهم). واذا كانت المناهج العلمية في دراسة الإنسان والظواهر الكونية ترتبط بإشكالية الذاتية و الموضوعية، فإن إشكالية الموضوعية والذاتية، هاته، ترتبط بالمغارقة بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية. ذلك أن الموضوع المراد دراسته في العلوم التجريبية ) هو الطبيعة وأشياءها، والموضوع المراد دراسه ( في العلوم الإنسانية) هو الذات نفسها، وهكذا إذن، يبقى الهدف المنشود من المعرفة حول الطبيعة من جهة، وحول الإنسان من جهة أخرى، واحدا ألا وهو الوصول إلى الحقيقة وقولها. وبناء على ما تقدم، فان هذه المجزوءة تتضمن المفاهيم التالية:

1-التجربة والتجريب
إن اهتمامنا في هذا الدرس سيكون منصبا على الدور الذي أنيط بالنظرية العلمية أن تلعبه في مجال العلوم التجريبية تحديدا، ومن باب الأمانة العلمية نشير إلى أن العلوم التجريبية (= الحقة ) بصفة خاصة والعلوم بصفة عامة كانت جزءا من الفلسفة قبل أن تستقل عنها ابتداء من القرن 14 م إلى القرن 16 م . معنى ذلك أن الفلسفة كانت في الماضي وتحديدا في بدايتها تسمى " بام العلوم"، والفيلسوف بدوره كان يمثل ويجسد هذا المعنى باعتباره شخصا موسوعيا، وخير دليل يمكن أن نسوقه في هذا الصدد، العبارة التي كتبها أفلاطون بباب اكاديميته : " لايدخل أكاديميتنا نحن معشر الفلاسفة من لا يجيد الرياضات ". أي أن تعلم الرياضيات كار شرطا ضروريا لتعلم التفلسف . غير أن التحولات العلمية التى حصلت وكذا نضج العلوم، ستعجل باستقلال هذه الأخيرة عن الفلسفة، وسيظهر التخصصات العلمية، وستبدأ العلوم التجريبية في استقلال عن الفلسفة، وهكذا ستستقل الفيزياء ثم الكيمياء والفلك والرياضياد وغيرها من العلوم .. وبذلك لم تعد الفلسفة تستوعب النظريات العلمية الجديدة.

2- الحقيقة
تأتي أهمية مفهوم الحقيقة من خلال ارتباطه الوثيق بتاريخ الفلسفة وتاريخ العلوم على حد سواء ذلك ان تاريخ الحقيقة هو تاريخ الفلسفة والعكس صحيح و لما كانت الحقيقة مطلب كل المعارف وكل النظريات العلمية، سواء كانت طبيعية أو إنسانية، بدت وكأنها سهلة التناول غير، أن حقيقتها غير ذلك فهي ليست واحدة بل تأتي في سياقات مختلفة و تحمل أوجها متعددة فهي تتعدد بتعدد مجالات المعرفة ( المعرفة الفلسفية المعرفة العلمية / المعرفة الدينية ..الخ ) ، وأمام هذا التعدد لا يبقى لنا الا ان نردد مع سقراط كيف لنا أن نعرف الحقائق إذا لم نكن نعرف ما هي الحقيقة ؟ " وأن نردد مع بول ريكور : ما معنى إذن البحث عن الحقيقة ؟ النتكلم بساطة شديدة أن أبحث عن الحقيقة يعني أن أتطلع إلى أن أقول قولا صالحا للكل. قولا يرتفع على أساس وضعيتى إلى مقام القول الكلى, لا أريد أن أبتدع وأن أقول ما يحلو لي ولكن أريد أن أقول ما هو كائن. فمن صميم وضعيتي أتطلع إلى أن أكون مرتبطا بالوجود. أن يتعقل الوجود ذاته في نفسي، ذاك هو مرادي من الا وهكذا فإن البحث عن الحقيقة مشدود بين " تناهي" تساؤلي و"انفتاه" الوجود". بول يكور.


جميع الحقوق محفوظة © 2013 باك ديالك تمارين دروس امتحانات