مجزوءة المعرفة

مجزوءة المعرفة

الشيئ الذي أعرف
 هو أني لا أعرف شيئا
 سقراط
مدخل تمهيدي :
على خلاف المجزوءة الأولى التي انصب اهتمامها على مسألة الوضع البشري، فإن مجزوءة المعرفة هذه، ستُعنى بالنشاط العقل من التفاعل الذات والموضوع (دارسة + موضوع مدروس = معرهم). واذا كانت المناهج العلمية في دراسة الإنسان والظواهر الكونية ترتبط بإشكالية الذاتية و الموضوعية، فإن إشكالية الموضوعية والذاتية، هاته، ترتبط بالمغارقة بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية. ذلك أن الموضوع المراد دراسته في العلوم التجريبية ) هو الطبيعة وأشياءها، والموضوع المراد دراسه ( في العلوم الإنسانية) هو الذات نفسها، وهكذا إذن، يبقى الهدف المنشود من المعرفة حول الطبيعة من جهة، وحول الإنسان من جهة أخرى، واحدا ألا وهو الوصول إلى الحقيقة وقولها. وبناء على ما تقدم، فان هذه المجزوءة تتضمن المفاهيم التالية:

1-التجربة والتجريب
إن اهتمامنا في هذا الدرس سيكون منصبا على الدور الذي أنيط بالنظرية العلمية أن تلعبه في مجال العلوم التجريبية تحديدا، ومن باب الأمانة العلمية نشير إلى أن العلوم التجريبية (= الحقة ) بصفة خاصة والعلوم بصفة عامة كانت جزءا من الفلسفة قبل أن تستقل عنها ابتداء من القرن 14 م إلى القرن 16 م . معنى ذلك أن الفلسفة كانت في الماضي وتحديدا في بدايتها تسمى " بام العلوم"، والفيلسوف بدوره كان يمثل ويجسد هذا المعنى باعتباره شخصا موسوعيا، وخير دليل يمكن أن نسوقه في هذا الصدد، العبارة التي كتبها أفلاطون بباب اكاديميته : " لايدخل أكاديميتنا نحن معشر الفلاسفة من لا يجيد الرياضات ". أي أن تعلم الرياضيات كار شرطا ضروريا لتعلم التفلسف . غير أن التحولات العلمية التى حصلت وكذا نضج العلوم، ستعجل باستقلال هذه الأخيرة عن الفلسفة، وسيظهر التخصصات العلمية، وستبدأ العلوم التجريبية في استقلال عن الفلسفة، وهكذا ستستقل الفيزياء ثم الكيمياء والفلك والرياضياد وغيرها من العلوم .. وبذلك لم تعد الفلسفة تستوعب النظريات العلمية الجديدة.

2- الحقيقة
تأتي أهمية مفهوم الحقيقة من خلال ارتباطه الوثيق بتاريخ الفلسفة وتاريخ العلوم على حد سواء ذلك ان تاريخ الحقيقة هو تاريخ الفلسفة والعكس صحيح و لما كانت الحقيقة مطلب كل المعارف وكل النظريات العلمية، سواء كانت طبيعية أو إنسانية، بدت وكأنها سهلة التناول غير، أن حقيقتها غير ذلك فهي ليست واحدة بل تأتي في سياقات مختلفة و تحمل أوجها متعددة فهي تتعدد بتعدد مجالات المعرفة ( المعرفة الفلسفية المعرفة العلمية / المعرفة الدينية ..الخ ) ، وأمام هذا التعدد لا يبقى لنا الا ان نردد مع سقراط كيف لنا أن نعرف الحقائق إذا لم نكن نعرف ما هي الحقيقة ؟ " وأن نردد مع بول ريكور : ما معنى إذن البحث عن الحقيقة ؟ النتكلم بساطة شديدة أن أبحث عن الحقيقة يعني أن أتطلع إلى أن أقول قولا صالحا للكل. قولا يرتفع على أساس وضعيتى إلى مقام القول الكلى, لا أريد أن أبتدع وأن أقول ما يحلو لي ولكن أريد أن أقول ما هو كائن. فمن صميم وضعيتي أتطلع إلى أن أكون مرتبطا بالوجود. أن يتعقل الوجود ذاته في نفسي، ذاك هو مرادي من الا وهكذا فإن البحث عن الحقيقة مشدود بين " تناهي" تساؤلي و"انفتاه" الوجود". بول يكور.


مفهوم الغير بالنسبة للفلاسفة

مفهوم الغير بالنسبة للفلاسفة

1- وجود الغير
دكار يت: الأنا مكتفي بذاته مستغنى عن الغير 
هيجل: وعي الأنا يتفاعل جدليا مع وعي الغير
سارتر: وجود الغير ضروري لوجود الانا

2- معرفة الغير
سارتر: استحالة معرفة الغير
غستون بيرجي: استحالة معرفة الغير
ميرلوبونتي: معرفة الغير ممكنة عن طريق التواصل
دولوز: الغير بنية من التفاعلات بين الذوات

3- العلاقة  مع الغير
:الصداقة
أفلاطون: تحقيق كمالات مع من هو أفضل
أرسطو: الصداقة الفضيلة

الغرابة:
كريستيفا: الغريب يسكننا على نحو غريب
ك.ل. ستراوس: هيمنة الغريب



Expression Écrite










المحور الثالث وجهان من وجوه العلاقة مع الغير

المحور الثالث وجهان من وجوه العلاقة مع الغير
الصداقة والغرابة
إن العلاقة التى تنشأ بين الأنا والغير تتخذ عدة مظاهر أهمها : مظهر ان الصداقة والغرابة.
أ- الصداقة : يمكن اعتبار الصداقة من العلاقات الإيجابية التي تربطنا بالآخر، حيث يمكن أن تسمو بالأفراد إلى علاقات من الود تصل إلى التأخي والتضحية والإيثار... فما الذي يجعل الصديق محبوبا ومرغوبا فيه ؟ فما هو الدافع إلى الصداقة ؟ هل هو دافع المنفعة ؟ أم دافع المتعة؟ أم دافع الفضيلة ؟ هل نصادق الصديق لأنه شبيهنا أم لأنه ضدنا ؟ هل نصادقه كغاية في ذاته أمكوسيلة ؟

موقف افلاطون:
يرى أفلاطون أن الصداقة علاقة من المحبة والمودة، لا يمكنها أن توجد بين الشبيه وشبيهه، ولا بين الضد وضده. فالطيب لا يكون صديقا للطيب، ولا يكون الخبيث صديقا للطيب. فلكي تكون هناك صداقة بين الأنا والآخر ، لابد أن تكون الذات في حالة من النقص النسبي الذي يجعلها تسعى إلى تحقيق الكمال مع من هو أفضل. ولو هيمن الشر على الذات فإنها ستكون في حالة نقص مطلق لا تستطيع معه أن تسمو إلى الخير. ولو كانت الذات في حالة خير مطلق لعاشت نوعا من الاكتفاء الذاتي. فالدافع إلى الصداقة هو الرغبة في تحقيق سمو الذات وكمالها من خلال الأخر .

موقف أرسطو:
إن موقف أرسطو من الصداقة هو أكثر واقعية مقارنة بأفلاطون فهو يرى أن الصداقة صداقات ،صداقة تقوم على المصلحة الذاتية أو المنفعة وأخرى تقوم على المتعة، والثالثة هى الصداقة الحقة التي تقوم على الفضيلة أي أنها تطلب لذاتها، وهذا النوع من الصداقة، والذي يطلب لذاته، ضروري للحياة، فلا أحد من الناس يرغب في الحياة بدون أصدقاء، وحتى لو كان ، في حالة يسر وغنى مادي، فالمال لا يغني عن الصداقة الفاضلة، وعندما يسود هذا النوع من الصداقة بين أفراد المدينة الواحدة يسود هذه المدينة نوع من التالف والانسجام والتكافل والمحبة بين أفرادها، فتختفي أشكال العداوة والتنافر والمواجهة، مما ينتج عنه انتشار العدالة وانتفاء الظلم، ما دام الكل متصادقا، وهو ما يدفع المشرعين إلى الاهتمام بالصداقة بوصفها رابطة تجمع بين الناس في المجتمع أكثر من اهتمامهم بالعدالة نفسها. كل هذا جعل أرسطو يعجب بالصداقة ويمتدحها ويعتبرها رائعة ويساوي بينها وبين الشرف، إذ لا فرق عنده بين الإنسان الشريف والصديق الحق.
ثم يشير أرسطو إلى أن الصداقة كتجربة معيشة لا تقم على الحب بمعناه الأفلاطوني وحده، فهناك على الأقل ثلاثة أنواع من الصداقة، صداقة المنفعة، صداقة المتعة وصداقة الفضيلة. وإذا كان النوعان الأولان من الصداقة متغيرين، يتوقفان على المنفعة والمتعة ويوجدان بوجودهما ويزولان بزوالهما، فهما لا يستحقان اسم الصداقة، لأن الصداقة الحقة هي صداقة الفضيلة، لأنها تقوم على محبة الخير والجمال لذاته، أولا، ثم للأصدقاء ثانيا، لذلك فهي تدوم وتبقى. وفي هذا النوع الثالث من الصداقة تتحقق المنفعة والمتعة أيضاولكن ليس كغايتين، بل، كنتيجتين للصداقة.

صداقة الفضيلة عند أرسطو أبقى وأدوم مقارنة بالصداقة التي تقوم على المتعة و المنفعة، غير أن الحياة المعاصرة وتعقدها وازدياد حاجات الإنسار، وصراع المصالح وتزايد متطلبات الحياة الإنسانية يصيب العلاقة بين الأنا والآخر بنوع من التوتر والعنف والمواجهة والإقصاء، ومن هذه العلاقات الغرابة.

ب- الغرابة:
إذا كان الغريب هو المجهول، غير المألوف، الغامضر ، المختلف، المهمّش، المحارب ، الأجنبي ، المستعمر ، الغام الذ، فان الغرابة، تصبح تبعا لهذا التحديد، شعورا قد يدفع الأنا الفردية أو الجماعية إلى إقصاء الغير أو تدميره أو الشعور بالعدوانية تجاهه. أو على الأقل، مقابلته باللامبالاة والتهميش. إن الدوافع نحو الغريب هي في الغالب، دوافع للحفاظ على الذات، و على الهوية الثقافية والحضارية، والحفاظ على تماسك الجماعة ، وهذا ما يولد توترا وصراعا في العلاقات الإنسانية وهي حقيقة تؤكدها الشواهد التاريخية حول نوعية العلاقة بين الأفراد و الثقافات التي تختلف من حيث طبيعة القيم و المعتقدات. و يمكن الإستدلال على رسوخ النزعة الإقصائية تجاه الغريب بما ميز المجتمعات القديمة من علاقات صراعية قائمة على أساس الدفاع عن الهوية الذاتية مقابل نفي ما يخالفها (الحرود الصليبية ـ الإستعمار الحديث للمجتمعات المستضعفة. وفي الفترة المعاصرة خاصة في الانتروبولوجية الثقافية التي تمثلها كريستيفا الفرنسية من أصل بلغاري أصبح مفهوم الغريب يتأسس على نظرة أخلاقية تتجاوز ثقافة النبذ والاقصاء تجاه الغريب
في هذا السياق يندرج تصور" جوليا كريستيفا "(1941..) القائم علي نقد التصور السائد حول الغريب بوصفه المختلف عن الجماعة، والذي يهدد بالتالي وحدتها وهويتها. فالإعتقاد السائد بأن كل جماعة بشرية تتأسس على هوية خالصة هو اعتقاد وهمى فى نظر "كريستيفا" ، لأن كل جماعة تشتمل على غريبها، و من ثم فإقصاء الغريب بدعوى الحفاظ على وحدة الجماعة هو موقف يقوم على المفارقة و التناقض. فالوحدة المزعومة للجماعة ليست سوى مظهرا يخفي التناقضات الداخلية التي تنكشف لنا عندما ندقق النظر في الإختلافاد و التمزقات التي تجعل كل جماعة تحتوي على ما هو سوي ومنحرف، أو على ما يلانم قيمها وما يناقضه على السواء. وعن ذلك تقول "كريستيفا " : اليس الغريب هو ذلك الدخيل المسؤول عن شرور المدينة كلها، ولا ذلك العدو الذي يتعين القضاء عليه لإعادة السلم إلى الجماعة. إن الغريب يسكننا على نحو غريب. إنه القوة الخفية لهويتنا..."
ويذكرنا موقف كريستيفا بموقف مشابها عند الأنتروبولوجي الفرنسي المعاصر" كلود ليفي ستراوس " الذي عرف بانتقاده الـشد يد لنزعة الهيمنة والإقصاء التي تميز الثقافة الغربية تجاه الثقافات الأجنبية. فهو يرى أن كل ثقافة بشرية لها مكانتها وإسهاماتها في الحضارة البشرية عموما. ويعتبر،بالنتيجة، أن التقدم الحاصل الآن في الغرب ليس إنجازا ذاتيا مستقلا عن المجهودات التي بذلتها ثقافات سابقة مهما بدت لنا بدانية. وهكذا فالعلاقة بين الثقافات ، كتعبير عن العلاقة بين الأنا و الغير، يجب أن تقوم على الحوار والإعتراف المتبادل بالإختلاف والتمايز وليس على الإحتواء والهيمنة. لذلك يقول "ليفي ستراوس"
إن الإسهام الحقيقي للثقافات لا يكمن في قائمة اختراعاتها، بل في الفارق المميز الذي تكشف عنه فيما بينها. إن الشعور بالعرفان والتواضع الذي يستطيع كل عضو من أعضاء ثقافة معينة ، بل يجب عليه ، ان يستشعره نحو جميع الثقافات الأخرى،لا يمكن ان يتأسس إلا على الإقتناع التالي : أن الثقافات الأخرى مختلفة عن ثقافته اختلافاتتنوع أشكاله أشد ما يكون التنوع ، وذلك حتى وان كان لا يدرك طبيعة هذا الإختلاف.


الغير: المحور الثاني معرفة الغير

الغير: المحور الثاني معرفة الغير
تأطير إشكالي:
يتبين مما سبق أن الآخر موجود وجودا ماديا كما توجد الأشياء ، وهو ما تبينه التجربة اليومية المعاشةكما تبين لنا ان وجود الأخر البشري كانا آخر ضروري لوجود الذات (أو الانا)، ذلك ما يعني أن الوجود الإنساني وجود علانقي بيني وبين الآخر، وأن الكينونة الإنسانية الفردية لا يمكن إلا أن تمتد إلى خارج ذاتها، فتنشئ علاقات، بحيث يستحيل ان تكون معزولة، ومن بين هذه العلاقات العلاقة المعرفية. بداية هل معرفة الغير ممكنة؟ تم ما قيمة المعرفة التي يقيمها الأنا حول الأخر؟  وبعبارة أخرى هل يمكن ان يعرف الاخر معرفة دقيقة ؟

أطروحة سارتر:
الغير عند سارتر هو "الانا الذي ليس أنا" أي الأنا المخالف للأنا وباعتباره كذلك، فإن سارتر يفترض ان نوعية العلاقة التي تقوم بينه وبين الأنا تأخذ وجهين هما : الانفصال والتباعد من جهة، والاتصال والتقارب من جهة ثانية. بمعنى أن الغير يتبدّى للأنا كمخالف مغاير، وكمماثل مشابه، فعندما يدرك الأنا الأخر كموضوعأو كما يدرك الموجودات الأخرى، فإنه بذلك يشيّئ الأخر ويحدث مسافة بينه وبين ذلك الأخر، وتكون العلاقة هنا علاقة انفصال، وتكون معرفة الأنا للأخر لا تختلف عن معرفته للأشياء المادية، فالآخر هنا عندما يكون بشريا، أو أنا يُجَدُ من ذاتيته ومن وعيه وحريته وإرادته، ويصبح مجرد موضوعومن هنا ندرك قيمة المعرفة المكونة عن الآخر وحدودها، (فالأنا لا يدرك الغير كأنا مخالف، وإنما كأشياء في مكان. ...
إن بناء معرفة محايدة عن الاخر يتطلب تشيئ هذا الاخر، إلا أن الأخر البشري ليس كأي آخر، ومن تم استحالة معرفته.
أننا إذا كنا نستطيع إقامة معرفة حول الآخر، يمكن أن تكون محايدة، أي يمكن أن تكون موضوعية، وذلك لاستقبال الذات العارفة عن الموضوع المدروس، وهو هنا أشياء العالم التي يمكن أن نضيف إليها" الانسان" كشيء، أي، كجسم محسوس يوجد في مكان. إذا كان هذا بالنسبة للآخر، كشيء فإنما غير ممكن بالنسبة للأخر البشري،أي، الأخر كأنا مخالف للأنا العارفة، لأنا الأخر عندما ينظر إليه كأنا أو كذات،فإن هذه النضرة تقود إلى استحالة تكوين معرفة دقيقة تقوم على الموضوعية والحياد، وذلك لأن الذات الدارسة هنا تدرس ذاتا أخرى مثلها، تسقط عليها ذاتيتها فيتعذر وجود استقلال بين الذات والموضوع، هذا الإستقلال هو الذي هوشرط المعرفة الدقيقة ، وهذا على خلافا ما يذهب إليه بعض علماء الأحياء وعلماء النفس كبرجسيون من خلال المنهج الاستبطاني وفرويد من خلال منهج التحليل النفسي وهي مناهج يؤكد بها أصحابها على إمكانية معرفة الاخر في جوهره أو عمقه (باطنه).
هكذا ينتهي سارتر على التأكيد على استحالة معرفته للأخر بسبب تعذر الموضوعية وتدخل الوعي والإرادة والحرية وهي  عناصر تميز الآخر كأنا أو كذات عن أشياء العالم المادية.
استنتاجات:
ينتهي سارتر إلى أن علاقة الأنا بالآخر، إما أن تكون علاقة فصل، وهنا يمكن للانا ان يكون معرفة عن الأخر تتسم بالحياد، إلا أنها تنظر إلى الأخر كشيء فتهمل أهم مقوماته. وإما أن تكون علاقة اتصال، وهنا ينظر الأنا إلى الأخر كأنا أو كذات، وفي هذه الحالة لا يستطيع الأنا العارف أن يكون محايدا في معرفته للأخر كذات، وهذا ما يقصده سارتر عندما يؤكد على أن معرفة الأخر مستحيلة.

أطروحة غاستون بيرجي :
يعتقد غاستون بيرجي باستحالة معرفة الغير ، فمعرفته غير ممكنة، لأن بينه وبين الأنا جدارا سميكا لا يمكن تجاوزه. هكذا فتجربة الأنا الذاتية معزولة وغير قابلة أن تدرك من طرف الغير. فالأنا يعيش تجربة حميمية مع الذات تحول دون تحقيق أي تواصل بينه وبين الغير. " فلا يمكن للأخرين اختراق وعيي، كما لايمكننى نقل تجربتي الداخلية لهم حتى ولو تمنيت ذلك، لأنني أشعر بالعزلة وأعيش في قلعة منيعة يستعصى على الغير اقتحامها " . وهذه العزلة متبادلة بين الأنا والغير فمثلما أن أبواب عالمي موصدة أمامه، فكذلك أبواب عالمه موصدة أمامي. ويتبين هذا من خلال تجربة الألم مثلا؛ فعندما يتألم الغير ويبكي اواسيه وأشاطره المعاناة، غير انني لا يمكنني أبدا أن أعيش بنفس الكيفية تجربة بكائه الذاتية، لأنها تجربة شخصية خاصة به وحده دون غيره من الناس

هكذا فبالرغم من سعي الإنسان الدؤوب نحو تحقيق التواصل مع الغير، كحاجة ملحة داخله، فإن الغير يظل سجينا في الامه ومنعزلا في ذاته ووحيدا في موته. محكوم عليه بان لا يشبع أبدا رغبته في التواصل، والتي لن يتخلى عنها أبدا.

أطروحة ميرلو بونتي:
هذا التصور عند سارتر الذي يعتقد باستحالة معرفة الغير ، سيتم تجاوزه مع ميرلوبنتى ، لقد حاول ميرلوبنتى فى موقفه الفلسفى الجديد بالقول بإمكانية معرفة الغير عن طريق التواصل معه، ردا على موقف الفلسفة الوجودية مع سارتر الذي يقول باستحالة معرفة الغير ، هذه النظرة التشييئية التي اعتمدها سارتر للإجابة على اشكالية معرفة.
يؤكد ميرلوبنتي على أنه يمكن تجاوز الاستحالة (استحالة معرفة الغير) التي انتهى إليها سارتر، عندما يدخل الأنا والغير في علاقة الاعتراف المتبادل بكل منهما في فرديته ووعيه وحريته، فالمعرفة بين الأنا والآخر تعلق ولا تنعدم أو تغيب عندما ينغلق كل واحد منهما عن الآخر حيث يقول ميرلوبونتي: "إن نظرة الغير لا تحولني إلى موضوع، كما لا تحوله نظرتي إلى موضوع، لكن عندما ينفتحان على بعضهما البعض يحصل التواصل. إن الذات هنا لا تعيش عزلة، وهى ليست غريبة عن الأخرين.

أطروحة جيل دولوز:
يرى جيل دولوز أن الغير ليس كما قال سارتر "الأنا الذى ليس أنا. إن الغير هو بنية ونظام من التفاعلات بين الذوات. فحين تدرك الذات شيئا ما، فإنها لا تستطيع ان تحيط به في كليته إلا من خلال الاخرين؛ فالغير هو الذي يتمم إدراكي للأشياء، وهو الذي- يقول جيل دولوز-" يجسد (مثلا) إمكانية عالم مفزع عندما لا بعد مفزوعا، وعلى العكس إمكانية عالم مطمئن عندما أكون قد أفزعت حقيقة إن الغير بنية مطلقة تتجلى في الممكن الإدراكي، وهي تعبير عن عالم ممكن، ومعرفة الغير يجب أن تكون معرفة بنيوية.
هكذا فمهما يكن من شأن معرفة الغير فإن العلاقة معه اغنى وأعقد من أن تُختزل وتتنوع ، وهو تنوع يمكن اختزاله فى مظهرين أساسيين : هما الصداقة والغرابة.



الغير: المحور الأول وجود الغير

الغير: المحور الأول وجود الغير
تأطير إشكالى للمحرر:
على الرغم من أن جذور فلسفة الغير بدأت مع الفلسفة اليونانية الا أنها ظلت حبيسة التناول الأنطولوجي (الوجود)، ولم تتعداه إلى الجانب المعرفي، غير أنها عادت بقوة في العصر الحديث مع الفيلسوف هيجل كرد فعل ضد فلسفة الأنا أو الذات لدى ديكارت، فإذا كان ديكارت قد اعتقد أن الأنا يوجد في استقلال عن الاخر ، فإن الأمر يختلف مع هيجل و سارتر، فيما يؤكد الأول وجود العلاقة بين الأنا والآخر من خلال مفهوم الجدل، يؤكد التاني وجود من خلال مفهوم الخجل. فكيف يتحدد هذا الوجود؟ وما نوع العلاقة التي تقوم بين الأنا والآخر؟


أطروحة ديكارت:
رأينا في درس الشخص كيف أن التصور الديكارتي ركز في بنائه على الشخصية الإنسانية على فعل التفكير، أنا أفكر إذن أنا موجود =COGITO  باعتباره يقينا لا يقبل الشك، وحقيقة  واضحة ومتميزة، ومعنى ذلك أن الأنا أو الذات هي حقيقة مكتفية  بذاتها كذات مفكرة وموجودة وجودا ماديا بعد التفكير بدون أي وساطة، أي أنها، مكذة بذاتها ومنعزلة عن الأخر ومستغنية عنه، وهي بذلك غير قادرة على إثبات الغير كأنا آخر، لأن وجود الذات (الأنا) يتأسس على فعل التفكير (=الوعي) وهو فعل داخلي ليس  في حاجة إلى الغير ، لكن إلى متى تظل الذات تشكل وعيا بذاتها بشكل معزول عن الآخر؟ أليس في وجود الغير ضرورة لتحقيق وجود الذات؟ بمعنى أليس وعي الأنا بذاتها هو وعي بالاخر؟

أطروحة هيجل:
يعتقد هيجل أن وعى الذات لذاتها وللاخر لا يوجد كاملا منذ البداية، وإنما هو وعي يخضع للتشكل والتكون، وذلك من خلال مروره بمرحلتين : في المرحلة الأولى يكون وعي الأنا بذاته وبالاخر وعيا مباشرا، لا يرقى إلى مستوى الحقيقة، بسبب كونه لا يدرك الأخر البشري إلا كموضوع، إضافة إلى انغماسه في الحياة و عدم ارتقائه إلى مستوى التجريد.
بمعنى أن وعي الأنا بذاته وبالآخر لا يكون كاملا منذ البداية إنما يتجه نحو الاكتمال بالتدريج فيصبح حقيقه، إنه يبدا كوعي مباشر الحياة الغريزية، فهو يعي ذاته وعيا بسيطا ويدرك الآخر كمجرد موضوع، لا يختلف عن غيره من موضوعات العالم (أشيائه). إن الأنا في هذه المرحلة لا يعي الأخر كذات مماثلة له، ومختلفة عنه، كذلك الآخر عندما يدرك الأنا فهو يدركه كموضوع ولا يدركه كذات واعية، هكذا فالأنا والآخر يكونان في البداية وعيا غير كامل عن بضها، في المرحلة الثانية من نمو الوعي ، لا تعود الذات تعي نفسها كوجود مباشر وكإنغماس في الحياة، إنما تقدم نفسها أمام الاخر بوصفها تجريدا خالصاوكذلك هو الأمر بالنسبة للوعي الذي يقوم به الأخر تجاه الأنا والذا .
بمعنى ان وعى الأنا بذاته وبالاخر في هذه المرحلة الثانية لا يعود مرتبطا بالمحسوس المباشر، ويسمو عن مستوى الغرائز التى تشير إلى الحياة الحيوانية، اليرقى إلى مستوى تجريدي خالصر ، وهذا الارتقاء في وعي الأنا لذاته وللأخر ينطبق كذلك على وعى للأنا.
هذا الارتقاء في الوعي من مستوى مباشر إلى مستوى مجرد، من مستوى اللايقين إلى مستوى اليقين لا يتم إلا من خلال الصراع الذي يدخل فيه كل من الأنا والآخر، إذ يعمل كل منهما على موت ضده، فالأنا والآخر يجبران بالضرورة على الانخراط في هذا الصراع الذي يدل على أن كل منهما يخاطر بحياته للحفاظ على حريته. وهذه المخاطرة بالحياة حسب هيجل، هي الدليل على أن وعي الذات لم يعد وعيا مباشرا منغمسا في الحياة، وإنما ارتقى إلى مستوى الاعتراف به كوعي لذاته وكحقيقة.
هذا الصراع بين الأنا والاخر هو من أجل الحياة والموت. ولكن يجب أن لا ينتهى إلى الموت، لأن في ذلك إلغاء للحقيقة واليقين الذاتي، وإنما ينتهي باستسلام أحدهما للأخر.
بمعنى أن العلاقة الصراعية التي تقوم بالضرورة بين الأنا والآخر والتي تستهدف الحياة أو الموت ينبغي أن لا تنتهي إلى الموت، فتفضيل الموت من كلا الطرفين هو إلغاء للحقيقة واليقين الذاتي، فلو مات أحد الطرفين فكيف للطرف الثاني ان يعي ذاته وان يحقق وجوده وحياته، إذ، لا يمكن للأنا أن يعي ذاته وأن يحقق وجوده إلا من خلال الأخر (ضرورة الأخر= الأخر شرط وجود الأنا) إن هذه العلاقة الصراعية الضرورية يجب أن تفضل الحياة، لهذا لا يمكنها إلا أن تنتهي بهذه النهاية وهي وجود وعيين متعارضين: أحدهما وعي مستقل تقوم ماهيته في كونه وجود لذاته، والثاني وعي تابع تقوم ماهيته في كونه وجودا من أجل الأخر(أي ان أحدهما سيد والآخر عبد).

أطروحة سارتر:
يرى سارتر أن وجود الغير ضروري من أجل وجود الأنا ، من هنا فالغير هو عنصر مكون للأنا ولا غنى له عنه في وجوده وذلك واضح في قوله : "الغير هو الوسيط الضروري بين الأنا وذاته". . غير أن العلاقة الموجودة بينهما هي علاقة تشبيئية، خارجية وانفصالية ينعدم فيها التواصل مادام يعامل بعضهما البعض كشيء وليس كأنا آخر. هكذا فالتعامل مع الغير كموضوع مثله مثل الموضوعات والأشياء يؤدي إلى إفراغه من مقومات الوعي والحرية والإرادة. ويقدم سارتر هنا مثال النظرة المتبادلة بين الأنا والغير؛ فحين يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وحرية، وما إن ينتبه إلى أن أحدا اخر يراقبه وينظر إليه حتى يخجله (الخجل) "أنا أخجل من نفسي حين أتبدى للأخر" . هكذا، تتجمد حركاته وأفعاله وتفقد عفويتها وتلقانيتها فيصبح الغير يهدا المعنى جحيما، وهو ما يعبر عنه سارتر بقوله "الجحيم هم الاخرون.
إن نظرة الغير إلى تشل مقوماتي ، فتعمل على تجميد حركاتي وتسلبنى ارادتي وحريتي. إن نظرة الغير إلي تقلقني لأنها مصحوبة بتقديرات لا يمكن معرفتها، خصوصا التقديرات المرتبطة بأحكام القيمة.
هكذا إدن، فالغير مكون للأنا وضروري لوجوده، وليس مجرد وجود جائز، وهو ما يؤكد عليه سارتر حين يقول "لكي أتوضل إلى الحقيقة كيفما كانت حول ذاتي، لابد ان أمر عبر الأخر (الغير)، إن الاخر لا غنى عنه بوجوده، كما لا غنى لي عنه في معرفتي لنفسي".


العالم العربي مشكل الماء وظاھرة التصحر

العالم العربي  مشكل الماء وظاھرة التصحر
مقدمة:
یعاني العالم العربي من مشكل الماء و ظاھرة التصحر.
فما ھي مظاھر و عوامل و أبعاد مشكل الماء في العالم العربي ،و أسالیب التخفیف من حدتھ ؟ و ما ھي أشكال و عوامل ظاھرة التصحر في العالم العربي، و طرق مواجھتھا ؟

مشكل الماء في العالم العربي:
تتعدد مظاھر مشكل الماء في العالم العربي :
*ینتمي الوطن العربي إلى المناطق ذات الموارد المائیة الضعیفة و ذات الخصاص المائي الموسمي أو الدائم.
*لا یمتلك الوطن العربي سوى حصة ھزیلة جدا (% 5.0 (من مجموع المیاه المتجددة في العالم ( المیاه المرتبطة بالتساقطات التي تؤدي الجریان السطحي و الباطني للمیاه ) .و یتمركز الجزء الأكبر منھا في بلدان النیل و الھلال الخصیب
*یقل نصیب الفرد من الماء في الوطن العربي عن 600 متر مكعب ، مع تباین واضح بین البلدان العربیة : أكثر من 1000 متر مكعب في العراق والسودان و المغرب ، مقابل أقل من 164 متر مكعب في بلدان شبھ الجزیرة العربیة و لیبیا.
*یواجھ العالم العربي مشكل عدم مواكبة المیاه المتاحة ( المیاه القابلة للتعبئة في السدود و للاستغلال ) لحاجات السكان.

یرتبط مشكل الماء في العالم العربي بالعوامل الآتیة:
-غلبة المناخ الصحراوي ، و عدم انتظام التساقطات ، و توالي سنوات الجفاف في النطاق المتوسطي.
-ضعف الشبكة النھریة وحجم المیاه الباطنیة
-عدم كفایة وسائل تخزین المیاه مثل السدود.
-التزاید السكاني السریع ، و تبذیر المیاه.

یتخذ مشكل الماء في العالم العربي أبعادا مختلفة:
*بعد اقتصادي : تعتبر الفلاحة القطاع الأكثر استھلاكا للماء ، أما النسبة الباقیة فتتوزع بین الاستعمالات المنزلیة و الصناعة
*بعد دیمغرافي : بتزاید عدد السكان یقل نصیب الفرد من الماء ، و بالتالي فالعالم العربي یتجھ نحو الخصاص المائي الكبیر.
*بعد سیاسي : و یتمثل في الصراعات بین الدول حول المجاري المائیة الرئیسیة كالصراع بین إسرائیل و العرب حول حوض الأردن وھضبة الجولان ، و الصراع بین مصر و السودان حول نھر النیل ، و الصراع بین العراق و تركیا و سوریا حول نھري دجلة و الفرات.

تبذل بعض المجھودات للتخفیف من حدة أزمة الماء :
*تھتم الدول العربیة التي تتوفر على أنھار رئیسیة بتشیید السدود . من أھم ھذه الدول المغرب و مصر و العراق والسودان.
*یحتكر العالم العربي و خاصة دول الخلیج العربي الجزء الأكبر من عملیات تحلیة میاه البحر في العالم.
*أنجزت بعض الدول العربیة مشاریع نموذجیة من بینھا لیبیا التي أقامت مشروع النھر الاصطناعي الذي استھدف نقل المیاه الباطنیة عبر أنابیب ضخمة من جنوب البلاد إلى شمالھا.

ظاھرة التصحر في العالم العربي:
تعدد مظاھر التصحر في العالم العربي :
*یتخذ التصحر الأشكال الآتیة :
-الترمل : زحف الكثبان الرملیة على الواحات و الأراضي الزراعیة و المناطق السكنیة بفعل ھبوب الریاح.
-نضوب المیاه : جفاف العیون و الأنھار و الآبار.
-الإقحال أو التجفیف : تصلب و تشقق التربة بفعل شدة الجفاف و الحرارة.
-تملح التربة : ارتفاع نسبة ملوحة التربة.
-تراجع خصوبة التربة : فقدان التربة للمواد العضویة.
-تدھور الغطاء النباتي.
*تمثل الأراضي المتصحرة أكثر من ثلثي مساحة العالم العربي (% 4.68 . ( في نفس الوقت تشكل الأراضي المھددة بالتصحر ( % 20 .(وبالتالي فالأراضي الصالحة للزراعة لا تمثل سوى نسبة ھزیلة ( % 6.11).

یرجع التصحر إلى عوامل طبیعیة و بشریة:
*عوامل طبیعیة من بینھا التقلبات المناخیة ، و تزاید حدة الجفاف ، و التعریة الریحیة و المائیة.
*عوامل بشریة : من أبرزھا اجتثاث الغطاء النباتي ، و الرعي الجائر، و الحرث في اتجاه الانحدار الطبوغرافي ، و استنزاف المیاه الباطنیة والسطحیة ، و تلویث التربة بالمبیدات و الأسمدة.

تصنف تدابیر مكافحة التصحر إلى الأنواع التالیة :
*تدابیر تقنیة: منھا عملیات التشجیر ، و تثبیث الرمال ، و الحرث حسب خطوط التسویة ( الخطوط الوھمیة الرابطة بین النقط المتساویة الارتفاع ) و الأخذ بالدورة الزراعیة ( تعاقب مزروعات مختلفة في نفس الحقل.
*تدابیر اقتصادیة : في طلیعتھا تكییف الأنشطة الاقتصادیة مع خصائص البیئة الجافة.
*تدابیر اجتماعیة : من بینھا محاربة الفقر ، و تحسین المستوى المعیشي لسكان المناطق الجافة.
*تدابیر قانونیة من أھمھا مصادقة الدول العربیة على الاتفاقیة الدولیة لمكافحة التصحر.

خاتمة :
رغم المجھودات المبذولة ، لا یزال العالم العربي یواجھ مشكل الماء و ظاھرة التصحر.


التھیئة الحضریة والریفية أزمة المدینة والریف وأشكال التدخل

التھیئة الحضریة والریفية أزمة المدینة والریف و أشكال التدخل
مقدمة:
وضعت الدولة التھیئة الحضریة و الریفیة لمواجھة مشاكل المدن و البوادي.
فماھي مظاھر و عوامل أزمة المدن و الأریاف المغربیة ؟ و ما ھي أشكال التدخل لحل ھذه الأزمة ؟

أزمة المدینة المغربیة و أشكال التدخل:

تتعدد مظاھر ازمة المدینة المغربیة:
-المجال الاقتصادي : الافتقار إلى المؤسسات الاقتصادیة القویة ( الشركات الكبرى ) ، و انتشار الأنشطة غیر المھیكلة كتجارة الرصیف و الباعة المتجولین.
-المجال الاجتماعي : حدة الفوارق الطبقیة ، و ارتفاع نسبة البطالة و الفقر، و انتشار التسول و التشرد ، و ارتفاع نسبة الجریمة.
-مجال التجھیزات : نقص البنیات التحتیة و الخدمات العمومیة ، و أزمة النقل الحضري.
-المجال العمراني :أحیاء الصفیح ، و السكن العشوائي ، و المضاربات العقاریة.
-المجال البیئي : تراكم النفایات ، و تلوث الھواء ، و كثرة الضجیج ، و قلة المناطق الخضراء.

ترتبط أزمة المدینة المغربیة بعوامل من أبرزھا:
-النمو الحضري السریع الناتج عن الھجرة القرویة الكثیفة و معدل التكاثر الطبیعي الذي لم ینخفض بعد إلى المستوى المطلوب.
-النمو الاقتصادي البطيء ، و سوء تدبیر المدن ، و ضعف الاستجابة لحاجات السكان المتزایدة.

تتنوع أشكال مواجھة أزمة المدینة المغربیة:
-اقتصادیا : إحداث المناطق الصناعیة ، وتشجیع الاستثمارات و المقاولات و التعاونیات ، و تنظیم المعارض.
-اجتماعیا : إقرار المبادرة الوطنیة للتنمیة البشریة ، وتطبیق برامج محاربة الفقر و مظاھر الإقصاء الاجتماعي.
-میدان التجھیزات : إنجاز مشاریع البنیة التحتیة لإعادة تأھیل المدن ، و تفویت بعض الخدمات العمومیة كالماء الشروب و الكھرباء و التطھیر والنقل الحضري للقطاع الخاص الأجنبي أو الوطني.
-عمرانیا : محاربة السكن العشوائي و دور الصفیح ، و دعم السكن الاقتصادي ، و توفیر الأراضي العامة للمشاریع السكنیة ، وحل مشكل العقار.
-بیئیا : تشیید المطارح القانونیة للأزبال و محطات معالجة النفایات الصلبة و السائلة ، و إحداث المناطق الخضراء ، ومراقبة تلوث الھواء.

أزمة الریف المغربي و أشكال التدخل:

یعرف الریف المغربي عدة مشاكل من أھمھا:
-المیدان الاقتصادي :ضعف مردود الفلاحة ، و انتشار الزراعات البوریة ( المعتمدة مباشرة على الأمطار) و المعیشیة ( الموجھة نحو السوق الداخلیة ) ، و قلة الأنشطة الاقتصادیة الأخرى كالصناعة و التجارة و الخدمات.
-المیدان الاجتماعي : انتشار الأمیة ، و ضعف نسبة التمدرس و التغطیة الصحیة ، و ارتفاع نسبة الفقر و البطالة ، و تفاقم الھجرة القرویة.
-میدان التجھیزات : ضعف شبكة الماء الشروب و الكھرباء و المواصلات و الخدمات العمومیة ، و ھشاشة السكن القروي.

ترجع أزمة البادیة المغربیة إلى عدة أسباب منھا:
-تھمیش البادیة المغربیة من حیث التنمیة الاقتصادیة و الاجتماعیة.
-تعاقب سنوات الجفاف منذ مطلع ثمانینیات القرن 20.
-سوء تسییر الجماعات القرویة.

تتدخل الدولة لمعالجة أزمة الریف المغربي من خلال البرامج و المشاریع الآتیة:
-برامج التنمیة الاقتصادیة : من أبرزھا برنامج الاستثمار الفلاحي في المناطق البوریة ، و البرنامج الوطني لمكافحة التصحر و آثار الجفاف.
-برامج التجھیزات و الخدمات العمومیة : في طلیعتھا برنامج تزوید العالم القروي بالماء الشروب ، و برنامج كھربة البوادي ، و البرنامج الوطني للطرق القرویة . بالإضافة إلى تشیید السدود و مد قنوات الري ، و بناء المدارس و المستوصفات.
-المشاریع الكبرى :من بینھا إستراتیجیة 2020 للتنمیة القرویة ، و مشروع التنمیة الاقتصادیة القرویة للریف الغربي ، و مشروع تنمیة الأقالیم الشمالیة ، و مشروع حوض سبو.

خاتمة:
رغم الجھود المبذولة ، لا تزال المدن و البوادي المغربیة تعرف عدة صعوبات . یضاف إلیھا مشكل الماء و التصحر الذي یعاني منھ المغرب كأحدبلدان العالم العربي.

شرح المصطلحات:
*التھیئة الحضریة : أشكال تدخل الدولة بالوسط الحضري.
*التھیئة الریفیة : جمیع المشاریع و البرامج المنجزة بالوسط الریفي.
*المدینة : مجال جغرافي یتمیز بتجمع سكاني مھم نسبیا ، و بسیادة القطاعین الثاني و الثالث.
*القریة : مجال جغرافي یتمیز بتجمع سكاني صغیر ، و بغلبة القطاع الأول .
*الإقصاء الاجتماعي : ضعف الاستفادة من الخدمات العمومیة
*ترییف المدن : وجود بعض مظاھر البداوة في المدن كالباعة المتجولین ، و السكن غیر اللائق ، و تربیة الدواجن و المواشي إلخ......



الإختیارات الكبرى لسیاسة إعداد التراب الوطني

الإختیارات الكبرى لسیاسة إعداد التراب الوطني
مقدمة:
لتجاوز مشكل التباین الجھوي ، اتبعت الدولة المغربیة سیاسة إعداد التراب الوطني فما ھو مفھوم ھذه السیاسة ؟ و ما ھي أھدافھا و اختیاراتھا و توجھاتھا المجالیة الكبرى ؟ و ما دور سیاسة إعداد التراب الوطني في تنظیم المجال الجغرافي و تحقیق التنمیة ؟

سیاسة إعداد التراب الوطني : مفھومھا ، اھدافھا ، اختیاراتھا ، و توجھاتھا المجالیة:

تعریف سیاسة إعداد التراب الوطني:
یقصد بسیاسة إعداد التراب الوطني تدخل الدولة لتنظیم المجال الجغرافي من خلال الإعداد الفلاحي و تطویر الصناعة و التھیئة الحضریة في المدن.  

أھداف سیاسة إعداد التراب الوطني :
تستھدف سیاسة إعداد التراب الوطني التحكم في توزیع السكان و الأنشطة الاقتصادیة و تحقیق تنمیة جھویة متوازنة اقتصادیا و بشریا و اجتماعیا، و تفعیل أشكال التضامن بین المناطق. 

الاختیارات الكبرى لسیاسة إعداد التراب الوطني :
-الرفع من فعالیة الاقتصاد الوطني من خلال تحسین ظروف الاستثمار و البحث عن وسائل جدیدة للتنمیة الاقتصادیة ، و الاھتمام بالعالم القروي.
-ربط السیاسة الحضریة بالإطار الشمولي لإعداد التراب الوطني عن طریق دعم القطاع العصري، و إعادة ھیكلة القطاع التقلیدي ، و الاھتمام بالتنمیة الاجتماعیة ، و تفعیل قوانین العمران و التعمیر.
-صیانة و تدبیر الموارد الطبیعیة و المحافظة على التراث الثقافي.
-تأھیل الموارد البشریة و ذلك بمحاربة الأمیة، و إصلاح مناھج التعلیم ،و تطویر البحث العلمي و التكنولوجي ، و تكوین الفلاحین و الحرفیین، و منع تشغیل الأطفال.

التوجھات المجالیة الكبرى لسیاسة إعداد التراب الوطني :
*یمكن تحدید رھانات التوجھات المجالیة الكبرى لسیاسة إعداد التراب الوطني على الشكل الآتي :
-المناطق الجبلیة : المحافظة على الموارد الطبیعیة ، و التضامن المجالي.
-المناطق المسقیة : الأمن الغذائي ، و تحدیات الانفتاح.
-مناطق البور : النجاعة الاقتصادیة ، و التوازنات المالیة.
-المناطق الصحراویة و شبھ الصحراویة : الاندماج الجھوي ، و تدبیر المجالات الھشة.
-المناطق الساحلیة الأطلنتیة : الانفتاح و تدبیر الموارد.
-الأقالیم الشمالیة : تدعیم البعد الأورو متوسطي.
-الشبكة الحضریة : تحدیث التدبیر ، و تأھیل المجال و الاستثمار و الموارد والأقطاب الجھویة و المدن المتوسطة و الصغیرة.

دور سیاسة إعداد التراب الوطني في تھیئة المجال الجغرافي و تحقیق التنمیة و تجاوز التحدیات:

تساھم سیاسة إعداد التراب الوطني في تھیئة المجال الجغرافي :
*قانون التعمیر أو مدونة التعمیر ھو مجموعة من النصوص التشریعیة التي تنظم البناء و التوسع العمراني.
*یشمل قانون التعمیر الوثائق الآتیة:
-التصمیم المدیري للتھیئة و التمدین : وثیقة تحدد التوجھات العامة للتوسع العمراني على المدى البعید( أكثر من 25 سنة. )
-تصمیم التنطیق : وثیقة تبرز تخصصات المناطق و الأحیاء داخل المدینة ( سكنیة ، صناعیة ، تجاریة ، إداریة إلخ...)
-مخطط التھیئة : وثیقة توضح بدقة استعمالات الأراضي في المدینة و المراكز القرویة المجاورة ( الشوارع ، الأزقة،الساحات، عدد طوابق البنایات) .
-تصمیم التنظیم الوظیفي و الإعداد : وثیقة تبرز الوظائف الأساسیة للمدن الكبرى( إداریة ، سیاحیة ، صناعیة ، تجاریة إلخ...

تساعد سیاسة إعداد التراب الوطني على تحقیق التنمیة من خلال المبادئ التالیة: 
-التنمیة الاقتصادیة و الاجتماعیة المتوازنة من خلال إعطاء الأولیة للمناطق الأقل تطورا و للطبقة الفقیرة.
-تدعیم الوحدة الوطنیة عن طریق تحقیق التضامن بین المناطق و تعزیز التكافل الاجتماعي.
-نھج سیاسة اللامركزیة و ذلك بإشراك المنتخبین في تحدید و إنجاز المشاریع.
-المحافظة على البیئة و ترشید استغلال الموارد الطبیعیة في إطار التنمیة المستدامة.

تواجھ سیاسة إعداد التراب الوطني عدة تحدیات من أبرزھا:
-تحدیات دیمغرافیة و اجتماعیة : التطور السكاني ، ارتفاع نسبة الساكنة النشیطة و البطالة و الفقر.
-تحدیات اقتصادیة : ضعف وتیرة النمو الاقتصادي و الإنتاجیة ، المنافسة الأجنبیة في إطار العولمة.
-تحدیات بیئیة : التقلبات المناخیة ، التلوث ، تزاید الضغط على الموارد الطبیعیة.

خاتمة:
إذا كانت سیاسة إعداد التراب الوطني لم تحقق كل أھدافھا، فإنھا تظل ركیزة أساسیة بالنسبة للتھیئة الحضریة و الریفیة بالمغرب.


جميع الحقوق محفوظة © 2013 باك ديالك تمارين دروس امتحانات